الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهَا الشرح: قوله (باب الخدم للمسجد) في رواية كريمة " الخدم في المسجد". قوله: (وقال ابن عباس) هذا التعليق وصله ابن أبي حاتم بمعناه. قوله: (محررا) أي معتقا، والظاهر أنه كان في شرعهم صحة النذر في أولادهم، وكأن غرض البخاري الإشارة بإيراد هذا إلى أن تعظيم المسجد بالخدمة كان مشروعا عند الأمم السالفة حتى أن بعضهم وقع منه نذر ولده لخدمته. ومناسبة ذلك لحديث الباب من جهة صحة تبرع تلك المرأة بإقامة نفسها لخدمة المسجد لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا امْرَأَةً فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهَا الشرح: قوله: (حدثنا أحمد بن واقد) واقد جده، واسم أبيه عبد الملك، وشيخه حماد هو ابن زيد، ورجاله إلى أبي هريرة بصريون. قوله: (ولا أراه) بضم الهمزة، أي أظنه. قوله: (فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم) أي الذي تقدم قبل بباب. *3* الشرح: قوله: (باب الأسير أو الغريم) كذا للأكثر بأو، وهي للتنويع. وفي رواية ابن السكن وغيره " والغريم " بواو العطف. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي قَالَ رَوْحٌ فَرَدَّهُ خَاسِئًا الشرح: قوله: (حدثنا روح) هو ابن عبادة. قوله: (تفلت) بالفاء وتشديد اللام أي تعرض لي فلتة، أي بغته. وقال القزاز: يعني توثب. وقال الجوهري: أفلت الشيء فانفلت وتفلت بمعنى. قوله: (البارحة) قال صاحب المنتهى: كل زائل بارح، ومنه سميت البارحة. وهي أدنى ليلة زالت عنك. قوله: (أو كلمة نحوها) قال الكرماني: الضمير راجع إلى البارحة أو إلى جملة تفلت على البارحة. قلت: رواه شبابة عن شعبة بلفظ " عرض لي فشد علي " أخرجه المصنف في أواخر الصلاة. وهو يؤيد الاحتمال الثاني. ووقع في رواية عبد الرزاق " عرض لي في صورة هر " ولمسلم من حديث أبي الدرداء " جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي " وللنسائي من حديث عائشة " فأخذته فصرعته فخنقته حتى وجدت لسانه على يدي " وفهم ابن بطال وغيره منه أنه كان حين عرض له غير متشكل بغير صورته الأصلية فقالوا: إن رؤية الشيطان على صورته التي خلق عليها خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما غيره من الناس فلا لقوله تعالى وسنذكر بقية مباحث هذه المسألة في " باب ذكر الجن " حيث ذكره المؤلف في بدء الخلق، ويأتي الكلام على بقية فوائد حديث الباب في تفسير سورة "ص". قوله قال الكرماني: لعله ذكره على طريق الاقتباس لا على قصد التلاوة. قلت: ووقع عند مسلم كما في رواية أبي ذر على نسق التلاوة، فالظاهر أنه تغيير من بعض الرواة. قوله: (قال روح فرده) أي النبي صلى الله عليه وسلم رد العفريت (خاسئا) أي مطرودا. وظاهره أن هذه الزيادة في رواية روح دون رفيقه محمد بن جعفر، لكن أخرجه المصنف في أحاديث الأنبياء عن محمد ابن بشار عن محمد بن جعفر وحده، وزاد في آخره أيضا " فرده خاسئا"، ورواه مسلم من طريق النضر عن شعبة بلفظ " فرده الله خاسئا". *3* وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ الشرح: قوله: (باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد) هكذا في أكثر الروايات، وسقط للأصيلي وكريمة قوله " وربط الأسير الخ"، وعند بعضهم " باب " بلا ترجمة، وكأنه فصل من الباب الذي قبله، ويحتمل أن يكون بيض للترجمة فسد بعضهم البياض بما ظهر له، ويدل عليه أن الإسماعيلي ترجم عليه " باب دخول المشرك المسجد " وأيضا فالبخاري لم تجر عادته بإعادة لفظ الترجمة عقب الأخرى، والاغتسال إذا أسلم لا تعلق له بأحكام المساجد إلا على بعد، وهو أن يقال: الكافر جنب غالبا والجنب ممنوع من المسجد إلا لضرورة، فلما أسلم لم تبق ضرورة للبثه في المسجد جنبا فاغتسل لتسوغ له الإقامة في المسجد. وادعى ابن المنير أن ترجمة هذا الباب ذكر البيع والشراء في المسجد. قال: ومطابقتها لقصة ثمامة أن من تخيل منع ذلك أخذه من عموم قوله " إنما بنيت المساجد لذكر الله " فأراد البخاري أن هذا العموم مخصوص بأشياء غير ذلك منها ربط الأسير في المسجد، فإذا جاز ذلك للمصلحة فكذلك يجوز البيع والشراء للمصلحة في المسجد. قلت: ولا يخفى ما فيه من التكلف، وليس ما ذكره من الترجمة مع ذلك في شيء من نسخ البخاري هنا، وإنما تقدمت قبل خمسه أبواب لحديث عائشة في قصة بريرة، ثم قال: فإن قيل إيراد قصة ثمامة في الترجمة التي قبل هذه وهي " باب الأسير يربط في المسجد " أليق فالجواب أنه يحتمل أن البخاري آثر الاستدلال بقصة العفريت على قصة ثمامة، لأن الذي هم بربط العفريت هو النبي صلى الله عليه وسلم، والذي تولى ربط ثمامة غيره، وحيث رآه مربوطا قال " أطلقوا ثمامة " قال فهو بأن يكون إنكارا لربطه أولى من أن يكون تقريرا. انتهى. وكأنه لم ينظر سياق هذا الحديث تاما لا في البخاري ولا في غيره، فقد أخرجه البخاري في أواخر المغازي من هذا الوجه بعينه مطولا وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مر على ثمامة ثلاث مرات وهو مربوط في المسجد، وإنما أمر بإطلاقه في اليوم الثالث، وكذا أخرجه مسلم غيره، وصرح ابن إسحاق في المغازي من هذا الوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بربطه، فبطل ما تخيله ابن المنير، وإني لأتعجب منه كيف جوز أن الصحابة يفعلون في المسجد أمرا لا يرضاه رسول صلى الله عليه وسلم؟ فهو كلام فاسد، مبني على فاسد، فالحمد لله على التوفيق. قوله: (وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس) قال ابن مالك: فيه وجهان، أحدهما أن يكون الأصل يأمر بالغريم، وأن يحبس بدل اشتمال، ثم حذفت الباء. ثانيهما أن معنى قوله " أن يحبس " أي ينحبس، فجعل المطاوع موضع المطاوع لاستلزامه إياه. انتهى. والتعليق المذكور في رواية الحموي دون رفقته، وقد وصله معمر عن أيوب عن ابن سيربن قال " كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم بما عليه، فإن أعطى الحق وإلا أمر به إلى السجن. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ الشرح: قوله: (خيلا) أي فرسانا، والأصل أنهم كانوا رجالا على خيل، وثمامة بمثلثة مضمومة وأثال بضم الهمزة بعدها مثلثة خفيفة. قوله: (إلى نخل) في أكثر الروايات بالخاء المعجمة، وفي النسخة المقروءة على أبي الوقت بالجيم، وصوبها بعضهم. وقال: والنجل الماء القليل النابع وقيل الجاري. قلت: ويؤيد الرواية الأولى أن لفظ ابن خزيمة في صحيحه في هذا الحديث " فانطلق إلى حائط أبي طلحة " سيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث حيث أورده المصنف تاما إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب الخيمة في المسجد) أي جواز ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ فِيهَا الشرح: قوله: (حدثنا زكريا بن يحيى) هو البلخي اللؤلؤي وكان حافظا، وفي شيوخ البخاري زكريا بن يحيى أبو السكين، وقد شارك البلخي في بعض شيوخه. قوله: (أصيب سعد) أي ابن معاذ. قوله: (في الأكحل) هو عرق في اليد. قوله: (خيمة في المسجد) أي لسعد. قوله: (فلم يرعهم) أي يفزعهم، قال الخطابي: المعنى أنهم بينما هم في حال طمأنينة حتى أفزعتهم روية الدم فارتاعوا له. وقال غيره: المراد بهذا اللفظ السرعة لا نفس الفزع. قوله: (وفي المسجد خيمة) هذه الجملة معترضة بين الفعل والفاعل، والتقدير: فلم يرعهم إلا الدم، والمعنى فراعهم الدم. قوله: (من قبلكم) بكسر القاف، أي من جهتكم. قوله: (يغذو) غين وذال معجمتين، أي يسيل. قوله: (فمات فيها) أي في الخيمة، أو في تلك المرضة. وفي رواية المستملي والكشميهني " فمات منها " أي الجراحة. وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب المغازي حيث أورده المؤلف هناك بأتم من هذا السياق. *3* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ الشرح: قوله: (باب إدخال البعير في المسجد للعلة) أي للحاجة، وفهم منه بعضهم أن المراد بالعلة الضعف فقال هو ظاهر في حديث أم سلمة دون حديث ابن عباس، ويحتمل أن يكون المصنف أشار بالتعليق المذكور إلى ما أخرجه أبو داود من حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته، وأما اللفظ المعلق فهو موصول عند المصنف كما سيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. ويأتي أيضا قول جابر " أنه إنما طاف على بعيره ليراه الناس وليسألوه " ويأتي الكلام على حديث أم سلمة أيضا في الحج، وهو ظاهر فيما ترجم له، ورجال إسناده مدنيون، وفيه تابعيان محمد وعروة، وصحابيتان زينب وأمها أم سلمة. قال ابن بطال: في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتيج إلى ذلك لأن بولها لا ينجسه، بخلاف غيرها من الدواب. وتعقب بأنه ليس في الحديث دلالة على عدم الجواز مع [عدم] الحاجة، بل ذلك دائر على التلويث وعدمه، فحيث يخشى التلويث يمتنع الدخول. وقد قيل إن ناقته صلى الله عليه وسلم كانت منوقة، أي مدربة معلمة فيؤمن منها ما يحذر من التلويث وهي سائرة فيحتمل أن يكون بعير أم سلمة كان كذلك. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب الخوخة والممر في المسجد) الخوخة باب صغير قد يكون بمصراع وقد لا يكون، وإنما أصلها فتح في حائط، قاله ابن قرقول. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنْ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ الشرح: قوله: (عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد) هكذا في أكثر الروايات، وسقط في رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد فصار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد، وهو صحيح في نفس الأمر لكن محمد بن سنان إنما حدث به كالذي وقع في بقية الروايات، فقد نقل ابن السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال: هكذا حدث به محمد بن سنان، وهو خطأ، وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف، فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدثه كل منهما به عن أبي سعيد، وقد رواه مسلم كذلك عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي النضر عن عبيد وبسر جميعا عن أبي سعيد وتابعه يونس ابن محمد عن فليح أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عنه، ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر وحده، أخرجه المصنف في مناقب أبي بكر، فكأن فليحا كان يجمعهما مرة ويقتصر مرة على أحدهما. وقد رواه مالك عن أبي النضر عن عبيد وحده عن أبي سعيد أخرجه المصنف أيضا في الهجرة، وهذا مما يقوى أن الحديث عند أبي النضر عن شيخين، ولم يبق إلا أن محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به، ويؤيد هذا الاحتمال أن المعافي بن سليمان الحراني رواه عن فليح كرواية محمد بن سنان، وقد نبه المصنف على أن حذف الواو خطأ فلم يبق للاعتراض عليه سبيل، قال الدارقطني: رواية من رواه عن أبي النضر عن عبيد عن بسر غير محفوظة. قوله: (إن يكن الله خير عبدا) كذا للأكثر، وللكشميهني " إن يكن لله عبد خير " والهمزة في " إن " مكسورة على أنها شرطية، وجوز ابن التين فتحها على أنها تعليلية وفيه نظر. قوله: (إن أمن الناس) قال النووي: قال العلماء معناه أكثرهم جودا لنا بنفسه وماله، وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة، لأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك. وقال القرطبي: هو من الامتنان، والمراد أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره نظيرها لامتن بها، يؤيده قوله في رواية ابن عباس " ليس أحد أمن على"، والله أعلم. قوله: (ولكن أخوة الإسلام) كذا للأكثر وللأصيلي " ولكن خوة الإسلام " بحذف الألف كأنه نقل حركة الهمزة إلى النون وحذف الهمزة، فعلى هذا يجوز ضم نون لكن كما قاله ابن مالك، وخبر هذه الجملة محذوف، والتقدير أفضل كما وقع في حديث ابن عباس الذي بعده " ولكن فيه خلة الإسلام " ويأتي ما في ذلك من الإشكال وبيانه في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى. وبين حديث ابن عباس أيضا أن ذلك كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فلذلك استثنى خوخته بخلاف غيره، وقد قيل: إن ذلك من جملة الإشارات إلى استخلافه كما سيأتي أيضا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ الشرح: قوله: (غير خوخة أبي بكر) كذا للأكثر، وللكشميهني " إلا " بدل غير. *3* قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ لَوْ رَأَيْتَ مَسَاجِدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبْوَابَهَا الشرح: قوله: (باب الأبواب والغلق) بفتح المعجمة واللام، أي ما يغلق به الباب. قوله: (قال لي عبد الله بن محمد) هو الجعفي، وسفيان هو ابن عيينة، وعبد الملك هو اسم ابن جريج. و قوله: (لو رأيت) محذوف الجواب وتقديره: لرأيت عجبا أو حسنا، لإتقانها أو نظافتها ونحو ذلك. وهذا السياق يدل على أنها في ذلك الوقت كانت قد اندرست. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ فَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ثُمَّ أَغْلَقَ الْبَابَ فَلَبِثَ فِيهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجُوا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقَالَ صَلَّى فِيهِ فَقُلْتُ فِي أَيٍّ قَالَ بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَذَهَبَ عَلَيَّ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى الشرح: قوله: (قالا حدثنا حماد بن زيد) لم يقل الأصيلي " ابن زيد"، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر هذا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. قال ابن بطال: الحكمة في غلق الباب حينئذ لئلا يظن الناس أن الصلاة فيه سنة فيلتزمون ذلك، كذا قال. ولا يخفى ما فيه. وقال غيره: يحتمل أن يكون ذلك لئلا يزدحموا عليه، لتوفر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه، أو ليكون ذلك أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه. وإنما أدخل معه عثمان لئلا يظن أنه عزل عن ولاية الكعبة، وبلالا وأسامة لملازمتهما خدمته. وقيل: فائدة ذلك التمكن من الصلاة في جميع جهاتها، لأن الصلاة إلى جهة الباب وهو مفتوح لا تصح.
|